يلتقي في باريس لأول مرة ، فنانون فلسطينيون من رام الله ومن حيفا ، ليقدموا معا برنامجا تراثيا عن الغناء و الرقص في الأفراح و الأعياد الفلسطينية ، من ضمن فعاليات موسم ثقافي ينظمه في شهر آذار الجاري معهد العالم العربي . هذا ما تناهي إلى العلم مصادفة . و لكن ما لفت نظري هو أن الفنانين لم يتمكنوا من التواصل مباشرة ، فيما بينهم في بلادهم الأصلية ، و بالتالي حمل كل فريق جزءا من العرض على أن تجري عملية إلصاق أجزاء العرض في باريس . بتعبير آخر ليس مسموحا للفلسطينيين أن يلتقوا في فلسطينين!
فمن المعلوم أن الفلسطينيين في الضفة الغربية ، حيث تقع مدينة رام الله ، يرزحون تحت و طأة المستعمر الإسرائيلي الصهيوني الذي يدّعي أن فلسطين كل فلسطين هي بقعة في “أرض الميعاد ” (من النيل إلى الفرات ) بانتظار ” الشعب المختار ” ، هذا من ناحية أما ناحية ثانية فأن الفلسطينيين الذين يسكنون في مدينة يافا يتميزون ، بحسب التشريع الإسرائيلي ـ الصهيوني ، من السكان اليهود ، بأنهم أقلية عربية تحيا في دولة ” قومية للشعب اليهودي ” الأمر الذي يُفقدهم بعض الحقوق التي يتمتع بها المواطن اليهودي .
لأنتقل بعد هذه التوطئة إلى مقاربة الحملة الإعلامية و السياسية التي تخلط بين مسألتين مختلفتين ، المعاداة للسامية من جهة و مناهضة الصهيونية من جهة أخرى ، التي تكشف أمامنا أموراً كانت في الواقع معروفة و لكنها ليست ظاهرة للعيان كما هي الآن .
نجد في مقدمها ، كما أظن ، جرأة بعض السياسيين و العاملين في حقل الدعاية والإعلام ، على النطق بأكاذيب بالرغم من اعتراض مؤرخين مرموقين . فلو إعتمدت معايير هذه الحملة الإعلامية الهادفة إلى فرض المناهضة للصهيونية مرادفة للعداء للسامية ، التي يضج بأصدائها الوسط السياسي و الفكري في فرنسا ، لاتُهم أعلام في التاريخ و علم الاجتماع و الفلسفة بالعداء للسامية ، أي بالعنصرية .(فيصير ماكسيم رودونسون عنصريا على سبيل المثال ) .
الأمر الثاني الذي استوقفني هو الكذب السياسي . فعندما يكون الكذب في السياسة الداخلية ، يحتمي السياسي الكذاب في النظام الديمقراطي وراء صفته التمثيلية و انه مسؤول أمام ناخبيه . و لكن من يحاسب يا ترى الكُذّاب المستعمرين ، الذين قتلوا مليونا و نصف المليون عراقي ، و نصف مليون سوري و عشرات الآلاف من الليبيين و اليمنيين ، و لا تسل عن سيل الدماء في فلسطين .؟ لا أحد .
لماذا تكون الحركة الصهيونية ممثلة لجميع أتباع الدين اليهودي في العالم بالرغم من أنها تضم في صفوفها يهودا مؤمنين و غير مؤمنين ، بالإضافة إلى الكثيرين من غير اليهود مثل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية و من هم على شاكلتهم في أوروبا و عموما جميع المستنفرين في ” صدام الحضارات ” ؟ لماذا يُفترض ضمنيا و جود علاقة تربط بين تنظيم داعش من جهة و بين المسلمين سواء المؤمنين منهم و غير المؤمنين ؟ لماذا يُشتبه بأن بالمسلم قابل لأن يصير إإسلاميا متطرفا ؟ إن منشأ الإصرار على إضفاء شمولية دينية و إثنية على الصهيونية هو نفسه في وصم كل مسلم أو كل من ينتمي ثقافيا إلى تراث يشكل الإسلام إحدى مكوناته ، بأنه بالقوة عضو في تنظيم داعش أو القاعدة . و لكن هذا ليس مستغربا عندما نتذكر أن مستشار الأمن القومي الأميركي إفتخر بنجاحه في أسقاط الإتحاد السوفياتي في أفغانستان بواسطة ” الإرهاب الإسلامي ” و أن نائب الرئيس الأميركي السابق بايدن أعلن في سنة 2007 أنه ” صهيوني و ليس يهوديا ” .
رأي اليوم